فارس البيدق مدير عام
عدد الرسائل : 187 العمر : 31 المزاج : رايق الأوسمة : تاريخ التسجيل : 04/04/2008
| موضوع: الوصايا الأخيرة لحمساوي قبل الموت الإثنين أبريل 28, 2008 10:26 am | |
| بقلم الكاتب/ زياد محمد حسن
كان صديقي الحمساوي ، أعز ما يملك القلب ولم يزل ، برغم تغير الفصول وترنح الجسد وهروب البزة العسكرية عند اجتياح الفساد العلني ، كان جسدي مهملاً في احدى زوايا الانقلاب تغطيه أوراق التوت ، ولعنة المستقبل ، وتهافت أرواح أطفالي الصغار ، والأهل ، والأقارب ، والديون ودكاكين الحارة ، والصراف الآلي والمنزل الصغير تحت أنقاض الهزيمة اللاحقة ، كلها كانت تنزع روحي بغبطة وتفتح أبواب السماء لجيل ٍ مختلف عن الأرواح التي تستقبلها عيون السماء كل يوم .
كنت قبل الفاجعة أسأل صديقي الحمساوي : إذا كان معك الحق في قتل الفساد هل يبيح لك العداء وقتل الظروف والتوحش وقتلي ؟ كان يمتاز بالصمت وتهرب دمعة من الخجل حين يجيب قائلاً : أن الموت حق وليس مهنة الصديق أن ينزع حق الله .
أحسست يومها بالاطمئنان ولكن الألم كان أكبر يوم الانقلاب عندما فوجئت بصديقي يحمل رشاشاً ويقف قبالة وجهي ، ثم يدير حفنة الاحتقان على زبائن التفكير ، بينما أستقبل نظراته بذكريات الطفولة وأحلام النضال وصلاة الفضيلة . في لحظة قصيرة ، وقع جسدي من على عقله ، بينما وقع صديقي فوق نفسه ، انطلقت رصاصة ترتدي الموت العاجل على صدري ، تكومت في المقر مثل الكتكوت الصغير بينما غاب عن عيني وهو يتقافز في الجيب العسكري ليمتطي ذيول النصر هارباً من مواجهة العيون .
بعد وفاتي بشهر واحد ، جاء لي الملك ليخبرني أن صديقك الحمساوي قد انقلبت به السيارة ويطلب منك العفو وأن للعفو سجايا ، وإن للضمير تبعات وأن أولى وصاياه _ أن تغفر له موتك . فقلت أن الموت حق الله وهو يعلم أن مهنة الصديق الاخلاص وأن المنايا لا تؤازر القاتل حين يضرب بسهمه جسد المسلم المحاصر .
ثاني وصاياه _ أن التحلي بالصبر من شيم الأفذاذ . قلت له ولم َ لم يصبر هو عندما أطلق رصاصة الهوان على أطفالي وتركهم يسبحون في الأرض ، إن الذين يتلقون المكاره برحابة صدر وبقوة إرادة هم الراغبون في تكفير السيئات فماذا فعل صديقي غير أنه لم يصبر على المكاره وأصبح جندياً يحمل النصيحة بطلقات رصاص .
إن الألم ليس مذموماً دائما ً ولا مكروها ً دائما ً ، والدعاء الحار يأتي مع الحسرة على الذات ، وأن حياة المؤمنين الأوائل في بداية البعث أنهم أعظم إيمانا ً ،برغم ألم الجوع والفقر والتشريد ،برغم وقوف كل زبائن الكفر ضدهم واعتلاء بعض المنافقين سطوح الألسن فكانوا الثلة المجتباة فلم يقتلوا طفلا ً ولا امرأة ، ولا شيخاً ولم تأخذهم الأعذار ليقتلوا أصدقاءهم باسم التضحية أو الحسم ، أو الاضطرار . الوصية الثالثة . _ أن يكون معك في الجنة .
قلت كيف يجتمع القاتل والمقتول في ميراث ٍ واحد ؟ والقاتل خرج عن العائلة واختار له اسما ً آخر ، وشعباً آخر ، وصديقا ً آخر ، والجنة لا تفهم الخطأ ولا تلبي نداء الطموح السادي حين تقلب الحقائق لتوازي بين ورد الصباح وبين مقلاع المضطر وهل يوجد في الإسلام من هو مضطر لقتل صديقه المسلم .
في لحظة صغيرة أغمضت عيني داخل قبري وأوصدت الدموع الحزينة وقلت له وصية دافئة .. لا تحفل بجزاء الآخرين ولا تتعلق بغير الله فهو المحي والمميت وأن ما في السياسة ما يغضب وإن ما في الصبر سعة ، فتجاوزت أنت َ الاساءة بأكثر منها ، وصدقت نفسك حتى الامتهان ، ونظرت إلى المرآة فرأيت وجهك فقط وكأنه هو الدين وهو الحق وهو الذي يضع الآخرين في ميزان التقوى وكما يقول الشاعر : إلى الديان يوم الحشر نمضي ,,,,* وعند الله تجتمع الخصوم ُ . .
| |
|